جاء اهتمام المجتمعات الاسلامية بالانسان واحترام حاجياته والسعى الى تحقيقها ،من منطق اهتمام الاسلام وتقديره للانسان فردا او جماعات ولم تكن الدول الغربية من بادرت بقوانين حفظ كرامة الانسان وتحقيق حريته انما جاءت عنايةَ الإسلام بالمجتمع الإنساني، وعلاج مشكلاته وأدوائه، منذ ان خلق الله ادم فى الارض وذلك لأنه دين إنساني، جاء بتكريم الإنسان
، وتحريره ، ففيه تتعانق المعاني الروحية والمعاني الإنسانية، وتسيران جنبًا إلى جنب ، كما ان الإسلام لا يتصور الإنسان فردًا منقطعًا في فلاة، أو منعزلاً في كهف أو دير، بل يتصوره دائمًا في مجتمع، يتأثر به ويؤثر فيه
ويعطيه كما يأخذ منه، ولهذا خاطب الله بالتكاليف الجماعة المؤمنة لا الفرد المؤمن : (يا أيها الذين آمنو) وكانت مناجاة المؤمن لربه في صلاته بلسان الجماعة لا بضمير المفرد (اياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم ) ، ومن هذا المنطلق فان مقتضى عناية الإسلام بالإنسان، العناية بالمجتمع كله، فالإنسان اجتماعي بالفطرة،
كما ان مشروعية الاسلام فى الجهاد جاءت للمحافظة على النفس والمال والارض والعرض مما يتحتم على كل فرد او جماعة داخل وطن واحد من وضع مبادئ قومية واولويات وطنية لصون حياضه وحفظ كرامة انسانه. ويأتى هذا التقرير مع تنامى الدعوات بالغرب الامبريالى بالاهتمام بالانسان واتهامه لدول العالم الثالث التى منها الدول الاسلامية بانها منتهكة للحريات او منتهكة لكرامة الانسان وخاصة المرأة والفئات التى يطلقون عليها بالضعيفة او المهمشة ، ناسينا بان الاسلام اول من قدر الانسان وقدر المرأة خير تقدير وإذا كان الإسلام قد عُنِيَ بالمجتمع عمومًا، فإنه عُنِيَ عناية خاصة بالفئات الضعيفة فيه، وهذا سر ما نلاحظه في القرآن الكريم من تكرار الدعوة إلى الإحسان باليتامى والمساكين وابن السبيل وفى الرقاب والغارمين تنفيذا لتكليف امر الزكاة التى تعد ركنا من اركانه الخمس وهى فى مقدمة تقدير الانسان وتكريمه. . وذلك لأن كل واحد من هذه الأصناف يشكو ضعفًا في ناحية، فاليتيم ضعفه من فقد الأب، والمسكين ضعفه من فقد المال، وابن السبيل ضعفه من فقد الوطن، والرقيق ضعفه من فقد الحرية. فكل هذه الشرائح لا وجود لها فى عالم الغرب مع اختلاط المفاهيم والمبادئ ، ونبه رسول الامة محمدًا - صلى الله عليه وسلم الى قيمة هذه الفئات ومكانها من المجتمع، فهي عدة النصر في الحرب، وصانعة الإنتاج في السلم؛ فبجهادها وإخلاصها يتنزل نصر الله على الأمة كلها، وبجهودها وكدحها في سبيل الإنتاج يتوافر الرزق لها. وإلى هذه الحقيقة يشير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبى وقاص، حين قال له : "هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم" ؟. ومن هنا حرص الإسلام على أن تكون هذه الفئات الجاهدة المجاهدة، مستريحة في حياتها، مطمئنة إلى أن معيشتها مكفولة، وأن حقوقها في العيش الكريم مضمونة، بحيث يجب أن يوفر لكل فرد فيها على الأقل حد الكفاية، بل تمام الكفاية من مطالب الحياة الأساسية، إذا عجز عن العمل، أو قدر عليه ولم يجده، أو وجده ولم يكن دخله منه يكفيه، أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها وهنا جاءت مشروعية الزكاة لتنهض بهم إذ عثروا، ويمدهم بالقوة إذ ضعفوا. وهنا يكمن تفكير اصحاب الرسالات الوطنية فى تعميق السياسات الاجتماعية لتحقيق رفاهية الفرد والجماعة لتصبح الاولويات بمن يسعى جاهدا بالاهتمام بمثل هذه الشرائح. لما كانت النفوس مجبولة على حب المال ، كما قال تعالى: {وَتُحِبُّونَ ?لْمَالَ حُبّاً جَمّاً ) وقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ ?لْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) كان لابد لهذه المحبة والشفقة على المال من قوانين تضبط النفس، وتقيد الشح، ورتب الشارع تحصيل المال وتصريفه، وإنفاقه على الوجه الأكمل المعتدل بين الإفراط والتبذير وبين التفريط والتقتير، ( وَ?لَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما ). وللزكاة فوائد دينية واجتماعية عديدة منها تقرب العبد إلى ربه وتزيد في إيمانه، شأنها في ذلك شأن جميع الطاعات. قال تعالى: {يَمْحَقُ ?للَّهُ ?لْرِّبَو?اْ وَيُرْبِى ?لصَّدَقَـ?تِ وَ?للَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }، ويمحو الله بها الخطايا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار)
ومن فوائدها الاجتماعية ايضا أن فيها دفعاً لحاجة الفقراء الذين هم السواد الأعظم في غالب البلاد.، أن في الزكاة تقوية للمسلمين ورفعاً من شأنهم، ولذلك كان أحد جهات الزكاة الجهاد في سبيل اللهً.، وفيها إزالة للأحقاد والضغائن التي تكون في صدور الفقراء والمعوزين، حتى تحصل المودة والمؤاخاة ،كما فيها تنمية للأموال وتكثيراً لبركتها، "ما نقصت صدقة من مال" و فيها توسعة وبسطاً للأموال، فإن الأموال إذا صرف منها شيء اتسعت دائرتها، وانتفع بها الفقير من الناس، بخلاف ما إذا كانت دولة بين الأغنياء لا يحصل الفقراء على شيء منها. فهذه الفوائد كلها في الزكاة مما يدل على أن الزكاة أمرها ضروري لإصلاح الفرد والمجتمع ومن هنا نستخلص وتأكيدا لقناعتنا بانه بالاسلام فقط تصلح المجتمعات وتشفى الصدور وتحقق التسامح والتصافى والاندماج بين ابناء الوطن الواحد. وتعميقا لهذه المعانى الاسلامية وبسطا لتلك الفوائد اهتمت الدولة بمشاريع العمل الاجتماعى والضمان الاجتماعى واقامت المؤسسات لادارة شئون مسئوليات هذه الشرائح المستهدفة كما عنيت الدولة بامر الزكاة ووجد تطبيق هذا الشرع اهتماما كبيرا وتطبيقا حازما فى الصرف على مصارفها الثمانية عبر الديوان لتحقيق جملة من الاهداف بما يحقق طهارة المال وتزكية النفس وتأكيد سلطانية الدولة فى جمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها بما يحقق التراحم والتكافل الاجتماعى تقديرا لانسانية الانسان وتكريما له وكانت لبرامج العمل الاجتماعى للمؤسسات الاجتماعية والخيرية فى البلاد خلال شهر رمضان لشاهد على تعمق تلك القيم والمفاهيم فى نفوس الامة السودانية تمتد اثارها فى كل مناطق السودان شرقه وغربه ، شماله وجنوب دون تمييز للجنس او العرق او اللون جاعلة من تطبيق معانى الزكاة شعارا للوحدة وتحقيقا للتجانس الاجتماعى بين افراد الوطن، كلهم كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى او هكذا نريده لجسم الوطن الذى تتناوشه الاطماع الدنيوية والاهداف الشخصية والاطماع الخارجية.. كما وضعت اولويات لتحقيق الوحدة الوطنية بتوقيع اتفاقات السلام وانعقاد ملتقيات الحوار الوطنى والوحدة والسلام والتنمية ليس ضعفا ولا تنازلا لتلك المبادئ والاولويات انما اعترافا بالاخرين وتقديرا للمواطن ولعيشه بسلام وامان فى ارضه. ومن هذا المنحنى يصبح الاسلام دستور الامة فى تحقيق التسامى الوطنى وتحقيق الوحدة بعيدا عن الشعارات وضرورات تعميق تلك المعانى فى الامة تأتى فى اولويات الاجندة الاسلامية حتى لا نغرق فى بطون دعاوى الغرب فى دعوته لحقوق الانسان وكرامة الانسان وغيرها لانه لا يملك المرجعية الحقة لضمان استمراره مما تجعل تلك الدعاوى مرتبطة بازمنة معينة واجندات محددة تنتهى بمجرد الوصول الى مراميه
ولابد لاحزابنا الوطنية ومؤسساتنا القومية بان تسمو بقيم الوطن المواطن وتضع اولوياته فى مقدمة الاجندات السياسية لتصبح شعارات الوطنية ومصلحة المواطن والعمل الجماعى شعارا واحدا لا تساوم فيه وهكذا تسمو المعانى الاسلامية فى تقدير الانسان وتكريمه وتحقيق الوحدة الوطنية بعيدا عن الاجندات السياسية والاهداف الانسانية المرتبطة باطماع التدخل فى شئون الاخرين وفى معية رحاب هذه القيم الخالدة تتنافس المتنافسون.